نســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء خالدات ................................................ نسيبة بنت كعب الانصارية هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن عمرو بن مبدول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارية، وكنيتها أم عمارة، وهي مشهورة بكنيتها واسمها معًا. كانت زوجة وهب الأسلمي وولدت له حبيب، وبعد موته تزوجها زيد بن عاصم المازني الذي ولدت له عبدالله، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب. في بيعة العقبة الثانية، كانت أم عمارة ممن بايعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكر ابن إسحاق أنه كان في بيعة العقبة الثانية اثنان وسبعون رجلاً وامرأتان، فيزعمون أن امرأتين قد بايعتا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان لا يُصافح النساء، والمرأتان هما من بني مازن بن النجار نسيبة وأختها، ولقد كان انتصارًا للدعوة الإسلامية أن تدخلها المرأة، وأن تقف مع الرجل في ميدان الجهاد في صف واحد، وتبايع وتقسم على التضحية في سبيل العقيدة، وفي هذا القسم العظيم ما فيه من تضحيات جسام أهونها الوقوف في وجه العشيرة، والنضال المستمر حتى يتم نصر الله. وعرفت نسيبة بنت كعب- كما عرف المسلمون العائدون معها إلى ديارهم- أن دورهم بعد بيعة العقبة الثانية إنما هو دور إعداد ودراسة وتفقه في الدين والعمل على نشره. أما التفقه في الدين، فقد بدا في الإقبال على سماع مصعب بن عمير الذي أرسله محمد عليه الصلاة والسلام إلى يثرب ليُعلِّم المسلمين فيها أصول دينهم، أما العمل على نشره فكانت الدعوة إليه في السر وفي العلن. رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يبعث لمسيلمة الكذاب رسالة ينهاه فيها عن حماقاته، وحمل حبيب بن زيد الرسالة، وفض مسيلمة كتاب رسول الله له فازداد ضلالا وغرورا، فجمع مسيلمة قومه، وجيء بمبعوث رسول الله وأثار التعذيب واضحة عليه، فقال مسيلمة لحبيب: (أتشهد أن محمدا رسول الله؟ ) فقال حبيب: (نعم، أشهد أن محمدا رسول الله)... وكست صفرة الخزي وجه مسيلمة، وعاد يسأل: (وتشهد أني رسول الله؟)... وأجاب حبيب في سخرية: (اني لا أسمع شيئا!!)... وتلقى الكذاب لطمة قوية أمام من جمعهم، ونادى جلاده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسن السيف ثم راح يقطع جسده قطعة قطعة، وبضعة بضعة وعضوا عضوا... والبطل العظيم لا يزيد على همهمة يردد بها نشيد إسلامه: (لا اله إلا الله، محمد رسول الله..) قال البلاذري (صاحب كتاب فتوح البلدان): شهدت نسيبة يوم أحد وزوجها وابناها وخرجت معهم بشن لها (قربة ماء) تسقى الجرحى، فقاتلت وجرحت اثني عشر بسيف ورمية، وكانت أول النهار تسقي المسلمين والدولة لهم، ثم قاتلت حين كرَّ المشركون، وانحازت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وباشرت القتال، وجعلت تذب عنه بالسيف وترمى عنه بالقوس، ولما قصد ابن قمئة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعترضت له ومصعب بن عمير، وضربت ابن قمئة ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان، وضربها بالسيف فجرحها جرحًا عظيمًا صار له فيما بعد غور فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، ما التفت يمينًا أو شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني"، وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم: "بارك الله تعالى عليكم أهل بيت، مقام أمكم خير من مقام فلان وفلان، ومقام زوج أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل بيت"، قالت أم عمارة: ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة، فقال: "اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة"، فقالت: "ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا"، وبقي بلاءُ نسيبة يوم أحد ماثلاً في أذهان السابقين. - روى ابن سعد عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب بمروط وفيها مرط مرجل واسع، فقال بعضهم لو أرسلت به إلى زوجة عبدالله بن عمر صفية بنت أبي عبيد قال: ابعثوا به إلى مَن هو أحق به منها إلى أم عمارة نسيبة بنت كعب، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما التفت يمينًا ولا شمالاً يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني"، وتُعقب إحدى الباحثات على غزوة أحد بقولها: ورأى عليه الصلاة والسلام المرأةَ التي بايعته في العقبة على السمع والطاعة.. رآها في موضع الوفاء بالعهد، وقد تصدت للدفاع عنه في حين فرَّ الرجال. - رآها- صلى الله عليه وسلم- ولا ترس معها يحميها من وقع السيوف وتكاثر السهام وهي ثابتة مستهينة بالحياة.. ورأى- صلى الله عليه وسلم- في ذات المكان رجلاً موليًا وفي يده ترسه فناداه: "أن ألقِ ترسك لمَن يُقاتل"، ورمى الرجل الهارب ترسه.. وأسرعت نسيبة إليه فالتقطته في سرعة وعادت إلى مكانها. ورأى الرسول- صلى الله عليه وسلم- ابنها والدم يسيل من عضده الأيسر فناداه- صلى الله عليه وسلم- فقال: "اعصب جرحك".. فتنبهت إلى ابنها، وأقبلت عليه ومعها عصائب حقويها قد أعدتها للجراح، فربطت جرحه والنبي- صلى الله عليه وسلم- ينظر ثم قالت لابنها: "يا بني انهض فضارب القوم فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن يُطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!"، ثم أقبل الرجل الذي ضرب ابنها فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذا ضارب ابنك فقالت: فاعترضته فضربتُ ساقه فبرك فعلوته بالسيف وعاونني ابني حتى أوردته الموت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "استقدت يا أم عمارة؟، الحمد لله الذي أظفرك وأقرَّ عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينيك"، وظلت تُدافع عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى آخر النهار حتى هدأ النقع الثائر، وبدأ المسلمون يستردون روعهم. ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم . ولقد مكثنا ليلنا نكمد الجراح حتى أصبحنا ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمراء ، ما وصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها ، فرجع إليه يخبره بسلامتها فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . شهدت نسيبة بنت كعب (أم عمارة) موقعة اليمامة، وهي تترصد وتتربص بمسيلمة الكذاب لتأخذ بثأر ابنها حبيب، وكان معها ابنها الثاني عبد الله الذي اشترك في قتل مسيلمة وقطعت ذراع نسيبة في هذه المعركة، وذكر الواقدي أن نسيبة بنت كعب (أم عمارة) لما بلغها قتل ابنها حبيب- عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتله. روت أم عمارة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديث الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة، قال ابن حجر: روى عنها ابنها عباد بن تميم، ومولاتها ليلى، وعكرمة، والحارث بن كعب، وأم سعد بنت سعد بن الربيع، وحديثها ثابت في السنن الأربعة، رحم الله أم عمارة وجزاها عن المسلمات والإسلام خير الجزاء؛ فقد رفعت من شأن المرأة، وأثبتت أنها لا تقل شجاعةً ولا فدائيةً عن أقوى الرجال، ولو عاملنا المرأة بهذه الروح لاختلف حالنا. فما التأنيث لاسم الشمس عيب******** ولا التذكير فخر للهلال.