تاريخ فلسطينتاريخ فلسطين .. منذ ما قبل التاريخسكن الإنسان أرض فلسطين منذ العصور الموغلة في القدم، وهناك آثار تعود إلى العصر الحجري القديم (500 ألف – 14 ألف ق.م)، والعصر الحجري الوسيط (14 ألف – 8 آلاف ق.م) حيث يطلق على هذا العصر في فلسطين الحضارة النطوفية نسبة إلى مغائر النطوف شمال القدس، وأصل النطوفيين غير معروف حتى الآن وتركزت حضارتهم على الساحل وعاشوا في المغائر والكهوف كمغائر جبل الكرمل .وفي العصر الحجري الحديث (8000 – 4500 ق.م) انتقلت حياة الإنسان في فلسطين إلى الاستقرار، وتحول من جمع الغذاء إلى إنتاجه، وفي أريحا ظهرت أول الدلائل على حياة الاستقرار، وهي تعتبر – حتى الآن – أقدم مدن العالم حيث أنشئت نحو 8000 ق.م.وامتد العصر الحجري النحاسي من (4500 – 3300ق.م)، وقد كشف عن مواقع حضارية أثرية تعود إلى تلك الفترة في منطقة بئر السبع، وبين جبال الخليل والبحر الميت، والخضيرة على السهل الساحلي .وتميزت بداية الألف الثالث قبل الميلاد بظهور الإمبراطوريات القديمة في الشرق، وقد رافق ذلك التوصل إلى الكتابة والبدء بتدوين التاريخ، ومن هنا تبدأ العصور التاريخية في فلسطين .تاريخ فلسطينويطلق على الفترة الممتدة من ( 3300 – 2000 ق.م) اسم العصر البرونزي القديم، وقد تميزت هذه الفترة بظهور المدن التحصينية الدفاعية التي قامت على هضاب مرتفعة، وانتشرت بأعداد كبيرة، وكانت غالبيتها في وسط وشمال فلسطين، ومن أهم المواقع بيسان ومجدو والعفولة ورأس الناقورة وتل الفارعة غرب نابلس. وفي الألف الثالث قبل الميلاد زاد عدد سكان فلسطين ونمت المدن وأصبح لها قوة سياسية واقتصادية مما يمكن تسميته عصر "دويلات المدن" .وخلال الألف الثالث قبل الميلاد هاجر إلى فلسطين العموريون (الأموريون) والكنعانيون، وكذلك اليبوسيون والفينقيون (وهما يعتبران من البطون الكنعانية)، وعلى ما يظهر فقد كانت هجرتهم إلى فلسطين حوالي 2500 ق.م، حيث استقر الكنعانيون في سهول فلسطين، وتركز العموريون في الجبال، واستقر اليبوسيون في القدس وما حولها وهم الذين أنشأوا مدينة القدس وأسموها "يبوس" ثم "أورسالم"، أما الفينيقيون فاستقروا في الساحل الشمالي لفلسطين وفي لبنان .ويرى ثقات المؤرخين أن العموريين والكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين قد خرجوا من جزيرة العرب وأن سواد أهل فلسطين الحاليين وخاصة القرويين هم من نسل تلك القبائل والشعوب القديمة أو من العرب والمسلمين الذين استقروا في البلاد إثر الفتح الإسلامي لها .لقد كانت هجرة الكنعانيين واسعة في تلك الفترة بحيث أصبحوا السكان الأساسيين للبلاد، واسم أرض كنعان هو أقدم اسم عرفت به أرض فلسطين، وقد أنشأ الكنعانيون معظم مدن فلسطين، وكان عددها – حسب حدود فلسطين الحالية – لا يقل عن مائتي مدينة خلال الألف الثاني قبل الميلاد وقبل قدوم العبرانيين اليهود بمئات السنين. ومن المدن القديمة فضلاً عن أريحا والقدس مدن شكيم (بلاطة، نابلس) وبيسان وعسقلان وعكا وحيفا والخليل وأسدود وعاقر وبئر السبع وبيت لحم .ثم جاء العصر البرونزي الوسيط ( 2000 – 1550 ق.م) حيث شهد النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد حكم الهكسوس الذين سيطروا على فلسطين خلال القرون (18 –16ق.م) وعلى ما يظهر ففي هذا العصر (حوالي 1900ق.م) قدم إبراهيم عليه السلام ومعه ابن أخيه لوط عليه السلام إلى فلسطين وهناك ولد إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام .وبدأ العصر البرونزي المتأخر (1550 – 1200) بانزواء حكم الهكسوس ودخول فلسطين تحت سيطرة الحكم المصري المطلق، أما العصر الحديدي (1200 – 320ق.م) فيظهر أنه في بدايته (1200 ق.م تقريباً) استقبلت فلسطين مجموعات مهاجرة من مناطق مختلفة أبرزها هجرات "شعوب البحر" التي يظهر أنها جاءت من غرب آسيا ومن جزر بحر إيجه (كريت وغيرها) وقد هاجمت هذه الشعوب في البداية سواحل الشام ومصر ولكن رعمسيس الثالث فرعون مصر صدها عن بلاده في معركة بلوزيون "قرب بور سعيد" وأذن لها أن تستقر في الجزء الجنوبي من فلسطين، وورد في النقوش الأثرية اسمها "ب ل س ت "، ومنها جاءت تسميتهم "فلسطيون" ثم زيدت النون إلى اسمهم (ربما على اعتبار الجمع) فأصبحوا فلسطينيين وقد أقام الفلسطيون خمس ممالك هي مدن غزة وأشدود وجت وعقرون وعسقلان وهي مدن المرجح أنها كنعانية قديمة غير أنهم وسعوا ونظموها ثم أنشاوا مدينتين جديدتين هما اللد وصقلغ، واستولوا على بقية الساحل حتى جبل الكرمل كما استولوا على مرج ابن عامر، وسرعان ما اندمج الفلسطيون بالكنعانيين واستعملوا لغتهم وعبدوا آلهتهم (داجون وبعل وعشتار)، ورغم أن الفلسطيين ذابوا في السكان إلا أنهم أعطوا هذه الأرض اسمهم فأصبحت تعرف بفلسطين .ويظهر من الدلائل التاريخية المقارنة أن موسى عليه السلام قاد بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة في النصف الأخير من القرن 13 ق.م أي أواخر العصر البرونزي المتأخر، الذي شهد هو وبداية العصر الحديدي بداية الدخول اليهودي إلى فلسطين، ثم قيام مملكة داود وسليمان عليهما السلام 1004 – 923 ق.م التي انقسمت إلى مملكة إسرائيل 923 – 722 ق.م ومملكة يهودا 923 – 586 ق.م والتي حكمت كل منها جزءاً محدوداً من أرض فلسطين. ومنذ 730 ق.م دخلت فلسطين بشكل عام تحت النفوذ الآشوري القادم من العراق حتى 645 ق.م ثم ورثهم البابليون في النفوذ حتى 539 ق.م، وكان الآشوريون والبايليون يتداولون النفوذ على فلسطين مع مصر. ثم إن الفرس غزوا فلسطين وحكموها 539 – 332 ق.م. ثم دخلت فلسطين في العصر الهلينستي اليوناني حيث حكمها البطالة حتى 198 ق.م ورثهم السلوقيون حتى 64ق.م عندما جاء الرومان وسيطروا على فلسطين، وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية ظلت فلسطين تتبع الإمبراطورية الرومانية الشرقية "دولة الروم" وعاصمتها القسطنطينية حتى جاء الفتح الإسلامي وأعطاها صبغتها العربية الإسلامية سنة 636م . دولة الحق ومسيرة الأنبياء على الأرض المقدسةكان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين نعلم أنهم عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، وإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء فمن نسله جاء الكثير من الأنبياء كإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام .ولد إبراهيم عليه السلام – حسبما ورد من آثار – في "أور" في العراق وعاش هناك ردحاً من الزمن حيث قام بتحطيم الأصنام ودعا إلى التوحيد وواجه النمرود وألقمه الحجة، وألقي في النار عقاباً له على تحطيم الأصنام فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وهاجر إبراهيم ومعه ابن أخيه لوط في سبيل الله، {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين} .ويظهر أن إبراهيم في البداية هاجر ومن معه إلى حران (الرها) وهي تقع الآن في جنوب تركيا إلى الشمال من سوريا، ومن هناك هاجر إلى أرض كنعان "فلسطين"، قال تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}، وحسب تقدير المؤرخين فإن قدومه إلى فلسطين كان حوالي 1900ق.م وكان هذا التاريخ بالنسبة لتاريخ العراق القديم يمثل نهاية عهد "أور الثالثة" التي حكمها السومريون وبداية العصر البابلي القديم الذي سيطرت فيه العناصر السامية القادمة من جزيرة العرب "العموريون" .نزل إبراهيم عليه السلام في شكيم قرب نابلس ومنها انتقل إلى جهات رام الله والقدس ومر بالخليل ثم ببئر السبع حيث استقر حولها زمناً ثم ارتحل إلى مصر، وكان ذلك يوافق تقريباً عهد الأسرة الحادي عشر أو الثاني عشر لفراعنة مصر، وعاد من مصر ومعه "هاجر" التي أهداها الزعيم المصري، وذكر في رواية أنها ابنة فرعون أو إحدى الأميرات، ثم عاد إلى فلسطين فمر بجوار غزة حيث التقى أبا مالك أمير غزة، ثم تجول بين بئر السبع والخليل، ثم صعد إلى القدس، ثم إن لوطاً عليه السلام انتقل إلى جنوب البحر الميت حيث أرسل لأهل تلك المنطقة، بينما مكث إبراهيم عليه السلام في جبال القدس والخليل، وقد ولد إسماعيل عليه السلام لإبراهيم من زوجته هاجر، ثم رزق بإسحاق بعد ذلك بثلاثة عشر عاماً من زوجته سارة، ويبدو أن إبراهيم رزق بأبنائه وهو في سن كبيرة نستشف ذلك من قوله تعالى على لسان سارة {يا ويلتا أآلد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً}.ويبدو أن إبراهيم عليه السلام تردد على الحجاز أكثر من مرة، فقد أحضر إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة وقصة سعي هاجر بين الصفا والمروة وتفجر ماء زمزم مشهورة، ثم إن إبراهيم عاد فبنى مع إسماعيل الكعبة {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}. غير أن مركز استقرار إبراهيم ظل فلسطين، وفيها توفي حيث دفن في مغارة المكفيلة قرب "الخليل" وهي المدينة التي سميت باسمه عليه السلام. وقيل إنه عمّر 175 سنة .عاصر إبراهيم عليه السلام حاكم القدس "ملكي صادق" وكان على ما يبدو موحداً وكان صديقاً له، وفي تلك الفترة كان المؤمنون بالله قلة نادرة، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم قال لزوجته سارة عندما أتى على جبار من الجبابرة "ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك"، ويظهر أن ذلك حدث عندما ذهبا لمصر، ولعلنا نستشف هذا المعنى من قوله تعالى {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله}.وعلى كل حال فإن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل كان رسولاً من أولي العزم من الرسل، وكان له دوره الدعوي في نشر رسالة التوحيد في فلسطين حيث كان يؤسس المساجد ويقيم المحاريب لعبادة الله في كل مكان ذهب إليه. ويظهر أنه لم يجد عناء أو عنتاً من أهل فلسطين ولم يضطر لتركها بسبب دينه ودعوته فظل مستقراً يتنقل بحرية فيها حتى توفاه الله .أما لوط عليه السلام فقد استقر جنوب البحر الميت حيث أرسل إلى قرية "سدوم" وهؤلاء كانوا يفعلون الفاحشة بالرجال "اللواط" وقد نهاهم لوط عن هذا فأعرضوا واستكبروا فانتقم الله منهم فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل {ولوطاً إذ قال لقومه أتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوه أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}، {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} .ويشير القرآن الكريم إلى أن إبراهيم عليه السلام قد عاصر رسالة لوط وهلاك قومه. فقد جاءه الملائكة وبشروه بإسحاق واخبروه بأنهم مرسلون لتدمير قوم لوط فقال لهم {إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينّه وأهله إلا امرأته . . }، وهكذا نصر الله سبحانه رسوله لوطاً وطهر أرضه المباركة من {القرية التي كانت تعمل الخبائث}، وجاءت البشرى لإبراهيم بإسحاق ليحمل راية التوحيد من بعده على الأرض المباركة وليتواصل انتشار النور الإلهي فيها .وعاش إسحاق في أرض فلسطين ورزقه الله سبحانه يعقوب عليه السلام "إسرائيل" والذي يعتبره اليهود أباهم، وكان إسحاق ويعقوب منارات للهدى بعد إبراهيم عليه السلام، وانظر إلى البيان القرآني في إيجازه وروعته {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} .ولد يعقوب عليه السلام في القرن 18 ق.م (حوالي 1750ق.م) في فلسطين، غير أنه هاجر على ما يظهر إلى حران "الرها" وهناك تزوج له أحد عشر ابناً منهم يوسف عليه السلام بينما ولد ابنه الثاني عشر بنيامين في أرض كنعان "فلسطين" وقد رجع يعقوب عليه السلام وأبناؤه إلى فلسطين وسكن عند "سعيّر" قرب الخليل، وقصته وقصة ابنه بوسف مشهورة ومفصلة في سورة يوسف من القرآن الكريم. وهي التي تحكي تآمر إخوة يوسف على يوسف وإلقاءه في البئر واكتشاف قافلة له وبيعهم إياه في مصر، حيث شبّ هناك ودعا إلى الله وصمد أمام فتنة النساء وصبر في السجن حتى أكرمه الله بأن يوضع على خزائن مصر بعد تأويله الرؤيا وثبوت براءته. ثم إن يوسف استقدم أباه يعقوب وإخوته إلى مصر حيث رد الله البصر إلى يعقوب بعد أن ابيضت عيناه على فراق يوسف، كما عفا يوسف عن إخوته، وتذكر بعض الروايات أن يعقوب عاش في مصر 17 سنة غير أن دفن عليه السلام إلى جوار جده وأبيه إبراهيم وإسحاق في الخليل .ويبدو أن تلك الفترة التي عاش فيها يعقوب وأبناؤه في مصر كانت توافق حكم الهكسوس لمصر وهم أصلاً من غير المصريين، ويمثل حكمهم الأسرتين 15 و 16 من الأسر التي حكمت مصر، واللتين امتد حكمهما لمصر من 1774 – 1567 ق.م .وعلى كل حال، يظهر أن يوسف وإخوته أبناء يعقوب "إسرائيل" نعموا بحرية العمل والعبادة في مصر وكان لهم دورهم في الدعوة إلى التوحيد، غير أن الأمر لم يستمر على حاله في أجيالهم المتعاقبة، فوقع بنو إسرائيل تحت الاضطهاد الفرعوني حتى أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون لإخراج بني إسرائيل منها إلى الأرض المقدسة . بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلاملقد كان بنو إسرائيل في تلك الفترة هم أهل الحق وحملة راية التوحيد، وكان فرعن مصر في ذلك الزمان متكبراً متعجرفاً يدعي الألوهية، وكان مفسداً يضطهد بني إسرائيل فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}، وقد ولد موسى عليه السلام في هذا الجو وتربى في بيت فرعون في تدبير رباني محكم، وقصة موسى ونشأته ودعوته لفرعون وخروجه ببني إسرائيل وهلاك فرعون أشهر من أن تروى .قدر الله سبحانه أن يعطي تلك الفئة المؤمنة في ذلك الزمان أرض فلسطين {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} .وأرسل موسى عليه السلام إلى فرعون بهذا الأمر، يعاونه في ذلك أخوه هارون الذي بعث رسولاً أيضاً {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين، حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل}، غير أن فرعون يأبى ويتكبر ولا يؤمن بالآيات والمعجزات التي جاء بها موسى، ويؤمن السحرة الذين حشدهم فرعون بدعوة موسى، ويسقط في يد فرعون، ويبدو أن الذين أظهروا إيمانهم وانضموا إلى بني إسرائيل كانوا عدداً محدوداً من أولاد وفتيان بين إسرائيل وكان إيمانهم مقروناً بخوف من أن يفتنهم فرعون {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين}. ثم إن موسى عليه السلام قاد من آمن من قومه شرقاً فأتبعهم فرعون وجنوده، وحدثت قصة انشقاق البحر وإنقاذ الله سبحانه لبني إسرائيل وهلاك فرعون وجنوده {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وأزلفنا ثم الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين} .ونقف هنا عند بعض الآراء والروايات التاريخية التي يظهر منها أن عدد من خرج مع موسى من مصر كان حوالي ست آلاف فقط أو خمسة عشر آلفاً على بعض الروايات. أما تلك الفترة من الناحية التاريخية فكانت على ما يبدو خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وكان خروج بني إسرائيل من مصر تحديداً في حوالي الثلث الأخير من ذلك القرن. وهي فترة توافق حكم "رعمسيس الثاني" المشهور في هذا العصر بـ"رمسيس الثاني"، ومن تقدير الله أن جثة هذا الفرعون معروضة في أحد المتاحف المصرية الآن، وهذا يذكرنا بقوله سبحانه {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون} .وبعد إنقاذ الله سبحانه لبني إسرائيل تبرز فصول معاناة موسى وهارون معهم، ويظهر من صفات هؤلاء ضعف الإيمان والجهل والجبن، فمن كادوا يخرجون من البحر حتى أتوا على قوم يعبدون أصناماً، {قولوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة !!!}، ثم عندما يذهب موسى لميقات ربه يعبد قومه العجل رغم وجود هارون بينهم !! {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار}، {فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي}، وكادوا يقتلون هارون عندما نهاهم عن كفرهم وهو الذي قال لأخيه موسى {إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني} وغيرها من المواقف .ثم يقود موسى بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة ويقول لهم {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين}، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم، {قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}، ولا ينفع فيهم النصح فيكررون، {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فأذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}، ويعلق سيد قطب رحمه الله على موقف بني إسرائيل هذا فيقول :"إن جبلة يهود لتبدو هناك على حقيقتها، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل، إن الخطر ماثل قريب، ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب الأرض، وأن الله قد كتبها لهم، فهم يريدونه نصراً رخيصاً، لا ثمن فيه، ولا جهد فيه، نصراً مريحاً يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى" . . "وهكذا يحرج الجبناء فيتوقحون، ويفزعون من الخطر أمامهم، هكذا في وقاحة العاجز لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد اللسان"، {فأذهب أنت ربك!} فليس بربهم إذا كانت ربوبيته ستكلفهم القتال، {إنا ها هنا قاعدون}، لا نريد ملكاً، ولا نريد عزاً، ولا نريد أرض الميعاد، ودونها لقاء الجبارين، هذه هي نهاية المطاف بموسى عليه السلام، نهاية الجهد الجهيد، والسفر الطويل، واحتمال الرذالات والانحرافات والالتواءات من بين إسرائيل ! .ويتألم موسى عليه السلام ويلجأ إلى ربه {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}، ويستجيب الله لنبيه {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض}، وهكذا يحكم عليهم بالتيه بعد أن كانوا على أبواب الأرض المقدسة، ويظهر أن الله سبحانه قد حرمها على هذا الجيل من بني إسرائيل حتى ينشأ جيل غيره يصلب عوده في جو من خشونة الصحراء، فهذا الجيل "أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل" .وتوفي موسى عليه السلام قبل أن يستطيع دخول الأرض المقدسة، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن موسى عندما حان أجله قال رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم مكان قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر" .دخول بني إسرائيل أرض فلسطينوبعد أن نشأ جيل صلب جديد وبعد سنوات التيه قاد بني إسرائيل نبي لهم هو يوشع بن نون عليه السلام ويسميه اليهود "يشوع" وهو الذي عبر بهم نهر الأردن وانتصر على أعدائه واحتل مدينة أريحا، وكان عبوره نهر الأردن حوالي 1190 ق.م ثم غزا "عاي" بجوار رام الله، وحاول فتح القدس ولكنه لم يستطيع، وكان عدد اليهود قليلاً بحيث يصعب عليهم الانتشار واحتلال كافة المناطق والسيطرة عليها. ومما نعلمه عن يوشع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوشع التقى أعداءه في معركة طالت حتى كادت الشمس تغيب فدعا الله ألا تغيب الشمس حتى تنتهي المعركة وينتصر فاستجاب الله لدعوته فأخر غروب الشمس حتى انتصر يوشع .وبعد يوشع عليه السلام تولى قيادة اليهود زعماء عرفوا "بالقضاة" وعرف عصرهم ب"عصر القضاة" وعلى الرغم من محاولاتهم إصلاح قومهم فقد ساد عصرهم الذي دام حوالي 150 سنة، الفوضى والنكبات والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني إسرائيل، وقد استوطنوا في تلك الفترة في الأراضي المرتفعة المحيطة بالقدس وفي السهول الشمالية في فلسطين .ولما شعر بنو إسرائيل بحالهم المتردي طلب الملأ منهم من نبي لهم (يقال ان اسمه صموئيل) أن يبعث عليهم ملكاً يقاتلون تحت رايته في سبيل الله، ولكن نبيهم الذي يعرف طباعهم قال لهم {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم {وأخبرهم نبيهم أن الله قد بعث عليهم طالوت ملكاً فاعترضوا بأنه أحق بالملك منه وأنه {لم يؤت سعة من المال}، فقال لهم نبيهم إن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم .وتولى القائد المؤمن طالوت الملك على بني إسرائيل، وكان ذلك حوالي سنة 1025ق.م، وتسميه الروايات الإسرائيلية "شاؤول" وتساقط أتباعه في الاختبار عندما ابتلاهم الله بنهر الأردن ومنعهم من الشرب منه {إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم}، ثم تساقط الكثير من القليل الذي بقي في الاختبار التالي عندما رأوا جالوت وجنوده فقالوا {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}، ولم تثبت في النهاية إلا ثلة قليلة مؤمنة أعطاها الله سبحانه النصر وقتل داود عليه السلام – وكان فتى – في هذه المعركة جالوت بالمقلاع .ولا نعرف بعد ذلك ما حصل يقيناً لطالوت، غير أن الروايات الإسرائيلية تذكر أنه في سنة 1004 ق.م تقريباً استطاع الفلسطيون الانتصار على طالوت "شاؤول" في معركة جلبوع وأنهم قتلوا ثلاثة من أبنائه وأكرهوا على الانتحار وقطعوا رأسه وسمّروا جسده وأجساد أولاده على سور مدينة بيت شان "بيسان" .وينفتح فصل جديد في تاريخ بين إسرائيل وفي انتشار وسيطرة دعوة التوحيد على الأرض المباركة وذلك بتولي داود عليه السلام الملك بعد طالوت سنة 1004 ق.م، ويعتبر داود عليه السلام المؤسس الحقيقي لمملكة بني إسرائيل في فلسطين، فقد قضى اليهود الفترة التي سبقت داود دون أن يملكوا سوى سلطان ضئيل في أجزاء محدودة من فلسطين ودون أن يستطيعوا أن يكونوا سادتها، ومضى جميع عصر القضاة في القتال الجزئي بجماعات صغيرة وذلك بأن تدافع كل جماعة (قبيلة) بمشقة عن قطعة الأرض التي استولت عليها .ولد داود عليه السلام في بيت لحم، واستمر حكمه أربعين عاماً تقريباً (1004-963 ق.م) وكانت عاصمة حكمه في البداية مدينة "الخليل" حيث مكث فيها سبع سنوات، ثم إنه فتح القدس حوالي سنة 995 ق.م فنقل عاصمته إليها. وواصل حربه ضد الأقوام الكافرة في الأرض المقدسة حتى تمكن من إخضاعهم سنة 990 ق.م تقريباً، وأجبر دمشق على دفع الخراج وأخضع المؤابيين والأيدوميين والعمونيين، وهكذا سيطر أتباع التوحيد – في ذلك الزمان – لأول مرة – فيما نعلم – على معظم أنحاء فلسطين، غير أنه حدود مملكة داود عليه السلام في أغلب الظن لم تلامس البحر إلا من مكان قريب من يويا (يافا)، ويبدو أن حدود المملكة الإسرائيلية في أوجها كانت مئة وعشرين ميلاً في أطول أطوالا وستين ميلاً في أعرض عرضها وأقل من ذلك بكثير في أغلب الأحيان، أي أن مساحتها لم تزد عن 7200 ميل مربع أي حوالي 20 ألف كم2، وهذا أقل من مساحة فلسطين الحالية بحوالي سبعة آلاف كم2. لقد سيطر اليهود على المناطق المرتفعة لكنهم أخفقوا في السيطرة على السهول وخصوصاً أجزاء كبيرة من الساحل الفلسطيني، وهي أجزاء لم تتم لدولتهم السيطرة عليها إطلاقاً طوال قيامها .وإذا كان يهود هذا الزمان يفاخرون بداود عليه السلام ويعتبرون أنفسهم حاملي لوائه وميراثه، فإن المسلمين يعتبرون أنفسهم أحق بداود من بني إسرائيل، وهم يؤمنون به نبياً من أنبياء الله ويحبونه ويكرمونه، ويفاخرون به لأنه أنشأ دولة الإيمان القائمة على التوحيد في فلسطين وهم السائرون على دربه الحاملون لرايته في هذا الزمان بعد أن نكص عنها بنو إسرائيل وكفروا وأشركوا ونقضوا عهودهم مع الله .ونعلم من القرآن الكريم أن الله سبحانه قد رزق داود عليه السلام العلم والحكمة، وأنزل عليه الزبور، وأنه أوتي ملكاً قوياً، وأن الجبال والطيور كانت تسبح معه وتذكر الله عندما كان يتلو مزاميره بصوته الخاشع المؤثر، {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب، إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب، وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}، وقوله تعالى {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله . .}.وورث سليمان عليه السلام أباه داود في العلم والحكم والنبوة، وتشير الروايات إلى أن سليمان كان واحداً من 19 أبناً لداود، وأن سليمان ولد في القدس، وأن حكمه في الأرض المباركة استمر حوالي أربعين عاماً (963-923ق.م) .ولقد جاء ذكر سليمان مرات عديدة في القرآن الكريم مشيراً إلى عمله وملكه ونبوته، قال تعالى محدثاً عن سليمان {قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب، فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} . مملكتا إسرائيل ويهوذا استمر حكم داود وسليمان حوالي ثماني عاماً وهو العصر الذهبي الذي حكمت فيه فلسطين تحت راية التوحيد والإيمان قبل الفتح الإسلامي لها .اليهود بعد دولة سليمان عليه السلاموبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، فعند وفاة سليمان اجتمع ممثلو قبائل بني إسرائيل الأثنتي عشرة في شكيم "قرب نابلس" لمبايعة رحبعام بن سليمان، ولكن ممثلي عشر قبائل اتفقوا على عدم مبايعته لأنه لم يعدهم – حسب الروايات – بتخفيف الضرائب، وانتخبوا بدلاً منه "يربعام" من قبيلة أفرايم ملكاً وأطلقوا اسم "إسرائيل" على مملكتهم وعاصمتهم شكيم (ثم ترزة ثم السامرة)، أما قبيلتا يهوذا وبنيامين فقد حافظتا على ولائهما لرحبعام بن سليمان وكونتا تحت حكمه مملكة "يهودا" وعاصمتها القدس .أما مملكة "إسرائيل" فقد استمرت خلال الفترة 923 – 721 ق.م، وقد سمتها دائرة المعارف البريطانية ازدراء "المملكة الذيلية"، وقد خسرت بسبب غزة الدمشقيين كل الأراضي الواقعة شرقي الأردن وشمال اليرموك، كان "عمري" أشهر ملوك مملكة إسرائيل 885 –874 ق.م بنى السامرة وجعلها عاصمته، أما خليفته "آخاب" 874-852 ق.م فقد سمح لزوجته "إيزابل" بنت ملك صيدا وصور بفرض عبادة الإله الفينيقي "بعل" مما أدى إلى ثورة قام بها أحد الضباط واسمه "ياهو" أطاحت بآخاب وأعاد عبادة "يهوه". وفي عهد "يربعام الثاني" 785-74ق.م وهو الثالث من سلالة ياهو توسعت مملكته شمالاً على حساب الأراميين، لكن ذلك لم يستمر طويلاً إذ أدى ظهور الملك الآشوري تجلات بلسر الثالث 745-727 ق.م إلى الحد من هذا التوسع، وقام خليفته شلمنصر الخامس، ومن بعده سرجون الثاني بتأديب هوشع آخر ملوك "إسرائيل" وقضى على دولته سنة 721 ق.م، وقام الآشوريون بنقل سكان إسرائيل إلى حران والخابور وكردستان وفارس وأحلوا مكانهم جماعات من الآراميين، ويظهر أن المنفيين الإسرائيليين اندمجوا تماماً في الشعوب المجاورة لهم في المنفى فلم يبق بعد ذلك أثر للأسباط العشرة من بين إسرائيل .أما مملكة "يهودا" 923 – 586 ق.م فحسب الروايات الإسرائيلية (وهي تؤخذ بتفحص وحذر، حيث لا يوجد بين أيدينا ما ينفي أو يثبت الكثير مما فيها) فقد انتشرت في حكم يربعام بن سليمان 923 – 916 ق.م العبادة الوثنية وفسدت أخلاق القوم بشيوع اللواط، وعندما خلفه ابنه "أبيام" 913 ق.م بقيت الأخلاق فاسدة، وعندما حكم "يهورام بن يهوشفاط" 849-842 ق.م أخوته الستة مع جماعة من رؤساء القوم، أما يوحاز بن يوتام 735-715ق.م فيذكر أنه علق قلبه بحب الأوثان حتى إنه ضحى بأولاده على مذابح الآلهة الوثنية وأطلق لنفسه عنان الشهوات والشرور، وأضل منسي بن حزقيا الذي حكم 687-642 ق.م قومه عن عبادة الله وأقام معابد وثنية .ولسنا نستغرب هذا عن بني إسرائيل فتلك أخلاقهم مع موسى عليه السلام تشهد بذلك، كما أن القرآن الكريم يشير إلى أنهم غيروا وبدلوا وحرفوا كلام الله وقتلوا الأنبياء {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون}، ويحدثنا التاريخ أنهم قتلوا النبي "حزقيال" حيث قتله قاض من قضاتهم لأنه نهاه عن منكرات فعلها، وأن الملك منسى بن خرقيا قتل النبي أشعيا بن أموص إذ أمر بنشره على جذع شجرة لأنه نصحه ووعظه، وأن اليهود قتلوا النبي أرميا رجماً بالحجارة لأنه وبخهم على منكرات فعلوها .ويظهر أن مملكة يهوذا قد اعترتها عوامل الضعف والوقوع تحت النفوذ الخارجي فترات طويلة، فقد هوجمت مرات عديدة وهزمت ودخل المهاجمون القدس نفسها، كما فعل شيشق فرعون مصر عندما دخل القدس واستولى على ما فيها (أواخر القرن 10 ق.م)، وهاجم الفلسطينيون والعرب القدس في عهد يهورام 849 – 842 ق.م فدخلوها واستولوا على قصر يهورام وسبوا بنيه ونساءه، أما الملك حزقيا 715 –687 ق.م فقد اضطر لإعلان خضوعه التام لملك الآشوريين سرجون الثاني بعد أن أسقط مملكة "إسرائيل"، ودفع منسي بن حزقيا الجزية لـ"أسرحدون" و"آشور بانيبال" ملكي آشور، وقد قيد الآشوريون هذا الملك بسلاسل من نحاس وذهبوا به إلى بابل ثم عاد للقدس وبها مات، وأيام حكم "يوشيا بن آمون" 640 – 609 ق.م تقدم "نخاو" بعد أن حكم ثلاثة أشهر، وأرسله لمصر أسيراً حيث مات هناك، ووضع مكانه "يهوياقيم بن يوشيا" 609-598 ق.م وقد أرهق هذا الحاكم الشعب بالضرائب ليدفع الجزية لسيده المصري ورجع إلى عبادة الأوثان، وفي أيام يهوياقيم هزم "بختنصر" البابلي "نخاو" المصري شمال سوريا سنة 605 ق.م وزحف إلى أن وصل للقدس وأخضع يهوياقيم وأذله وأدخل البلد تحت نفوذه، ولما ثار يهوياقيم على بختنصر دخل الأخير وجيشه القدس وقيد يهوياقيم بسلاسل من نحاس حيث مات بعد مدة .وعندما حكم يهوياكين 598-597 ق.م حاصر بنوخذ نصر "بختنصر" القدس وأخذ الملك مع عائلته ورؤساء اليهود وحوالي عشرة آلاف من سكانها (فيما يعرف بالسبي الأول) وبعض خزائن الهيكل إلى بابل، ثم إن بختنصر عيّن صدقيا بن يوشيا 597-586 ق.م حيث أقسم له يمين الولاء، غير أن صدقيا في آخر حكمه ثار على البابليين الذين ما لبثوا أن زحفوا للقدس وحاصروها 18 شهراً حتى أسقطوها، وأخذ صدقيا أسيراً وربط بالسلاسل من نحاس وسيق إلى بابل، حيث يذكر أنه قتل أبناؤه أمامه وسملت عيونه، وخرب نبوخذ نصر القدس ودمر الهيكل ونهب الخزائن والثروات، وجمع حوالي 40 ألفاً من اليهود وسباهم إلى بابل "السبي البابلي الثاني" وهاجر من بقي من يهود إلى مصر ومنهم النبي إرمياه، وبذلك سقطت مملكة يهودا 586 ق.م .ويسجل التلمود أن سقوط دولة اليهود وتدميرها لم يكن إلا "عندما بلغت ذنوب بين إسرائيل مبلغها وفاقت حدود ما يطيقه الإله العظيم، وعندما رفضوا أن ينصتوا لكلمات وتحذيرات إرمياه" وبعد تدمير الهيكل وجه النبي إرمياه كلامه إلى نبوخذ نصر والكلدانيين قائلاً: "لا تظن أنك بقوتك وحدها استطعت أن تتغلب على شعب الله المختار، إنها ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب" .وتشير التوارة إلى آثام بين إسرائيل التي استحقوا بسببها سقوط مملكتهم، فتذكر على لسان أشعيا أحد أنبيائهم "ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الآثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراء" سفر أشعيا – الإصحاح الأول، وتقول التوراة "والأرض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع، غيروا الفريضة، نكثوا العهد الأبدي" سفر أشعيا – الإصحاح 24 . تداول الهيمنة الفارسية والإغريقية والرومانية على فلسطينعاش اليهود بعد سقوط ملكهم في فلسطين مرحلة "السبي البابلي" في العراق، وهي الفترة التي يظهر أنهم بدأوا فيها بتدوين التوراة، أي بعد ما لا يقل عن سبعمائة سنة من ظهور موسى عليه السلام، ولم ينتهوا من تدوينها إلا أواخر القرن الثاني ق.م (بعد أكثر من أربعمائة سنة) وخلال هذه الفترة كان اليهود قد تركوا الالتزام بدينهم وقلدوا الدول التي يعيشون فيها بعبادة الأوثان" .ولاحت الفرصة لليهود للعودة مرة أخرى إلى فلسطين عندما أسقط الإمبراطور الفارسي قورش الثاني الدولة البابلية الكلدانية 539 ق.م بمساعدة يهودية، وانتصر على ميديا، ومد نفوذه إلى فلسطين التي دخلت في عصر السيطرة الفارسية 539 - 332 ق.م فقد سمح قورش بعودة اليهود إلى فلسطين كما سمح لهم بإعادة بناء الهيكل في القدس، غير أن القليل من اليهود انتهزوا الفرصة لأن الكثير من السبي أعجبتهم الأرض الجديدة، ولكن القلة المتشددة التي عارضت الاندماج حفظت بني إسرائيل من الاندثار، ويذكر أحد المؤرخين أن عدد الراجعين كانوا 42 ألفاً وهم أقلية بالنسبة للعدد الحقيقي. وقام هؤلاء اليهود ببناء الهيكل حيث اكتمل بناؤه في 515 ق.م. وفي منطقة القدس تمتع القدس بنوع من الاستقلال الذاتي تحت الهيمنة الفارسية، وهو حكم لم يكن يتجاوز نصف قطره عشرين كيلومتراً في أي اتجاه .وفي سنة 332 ق.م احتل الإسكندر المقدوني فلسطين في إطار حملته الشهيرة التي احتل خلالها بلاد الشام ومصر والعراق وإيران وأجزاء من الهند. وقد ترك الاسكندر اليهود دون أن يمسهم، ومنذ ذلك التاريخ دخلت فلسطين في عصر السيطرة الهللينية الإغريقية الذي استمر حتى سنة 63 ق.م .وبعد موت الإسكندر نشب نزاع بين قادته أدى إلى توزيع مملكته بينهم فكانت فلسطين (وباقي سوريا المحوفة من جنوب اللاذقية ولبنان وأجزاء من سوريا كدمشق ومصر وبرقة (ليبيا) وبعض جزر البحر الإيجي من نصيب القائد بطليموس، وسمي حكمه وحكم خلفائه من بعده بـ"عصر البطالمة" وقد استمر في فلسطين من 302 – 198ق.م، وقد عطف البطالمة على اليهود الذين كان يدير شؤونهم "الكاهن الأكبر". ثم إن السلوقيين (الذين كان نصيبهم بعد وفاة الإسكندر سوريا الشمالية وآسيا الصغرى والرافدين والهضبة الإيرانية) استطاعوا السيطرة على فلسطين إثر معركة "بانيون" التي حقق فيها الملك السلوقي انطيوخس الثالث نصراً كاملاً على البطالمة، وقد استمرت سيطرة السلوقيين على فلسطين حتى 63 ق.م .وقد حاول السلوقيون صبغ اليهود بالصبغة الهللينية الإغريقية، فحاول انطيوخس الرابع صرف اليهود عن دينهم وأرسل سنة 167 ق.م أحد قادته وكلفه إلغاء الطقوس الدينية اليهودية والاستعاضة بالإله زيوس الأوليمبي عن الإله يهوه، وعيّن لهم كاهناً إغريقياً وثنياً في القدس، وحرّم الختان واقتناء الأسفار المقدسة وأوجب أكل لحم الخنزير، وبموجب هذه الأوامر انقسم اليهود إلى قسمين: قسم انصر عن الشريعة مقتنعاً أو مكرهاً وهم "المتهلنون"أو "المتأغرقون" وأقاموا في القدس والمدن الإغريقية وقسم آخر أقل عدداً هربوا من القدس وأطلق عليهم أسم حزب القديسيين .وبشكل عام تأثر اليهود بالإغريقية فحلت الآرامية محل العبرية وأصبحت اليونانية لغة الطبقة المثقفة، ونشأ في اليهود جماعة تناصر اليونانيين تمكنوا من الوصول للحكم بقيادة كبير الكهنة "جيسون" .أما الذين هربوا من القدس "حزب القديسيين" فقد اعتمدوا لقيادتهم متاثياس (متابيبه) كبير عائلة الأشمونيين والذي مات بعد فترة قصيرة، فخلفه ابنه يهوذا الملقب "المكابي" أي المطرقة، وقد ثار على السلوقيين وانتصر عليهم أكثر من مرة 166 –165 ق.م وانضم إليه قسم كبير من المترددين اليهود، وهذا دفع انطيوخس الرابع لإيقاف اضطهاد اليهود فسمح لهم بممارسة دينهم جنباً إلى جنب مع أنصار التأغرق. وعاد "المكابيون" إلى القدس في 25 كانون ثاني/ يناير 164 ق.م وما زال اليهود يحتفلون بهذه المناسبة تحت اسم عيد الأنوار "حانوكا" .تأسس لليهود بعد ذلك حكم ذاتي في القدس أخذ يتسع أو يضيق وتزداد مظاهر استقلاله أو تضعف حسب صراع القوى الكبرى على فلسطين (الرومان – البطالمة – السلوقيين . .)، وأصبح الحكم وراثياً في ذرية يهودا المكابي، وقد حكم المكابيون كـ"كبار كهنة" وسرعان ما سموا أنفسهم ملوكاً رغم أنهم كانوا تابعين ويدفعون الخراج للسلوقيين. وفي سنة 143 ق.م أعفى الإمبراطور ديمتروس الثاني اليهود من الضرائب، وأعطى لقب حاكم لـ"سيمون" واتفق اليهود على اعتباره ملكهم وبذلك تأسس حكم ملكي اعترف به السلوقيون الذين "أعطوا" سيمون أيضاً حق صك النقود .وفي عهد "الملك" اليهودي الكسندر جانيوس 103-76ق.م شمل حكمه شرق الأردن الذي سماه اليهود بيريا وتوغل إلى الساحل أيضاً وكادت حدود مملكته تلامس حدود مملكة سليمان. وقد حكمت بعده أرملته سالوم الكسندرا حتى 67 ق.م، ثم تخاصم أبناها على الحكم وتدخل العرب الأنباط في مساعدة هيركانوس الثاني ضد أخيه أريستوبولوس. وفي سنة 63 ق.م قضى القائد الروماني الشهير بومبي على "الدويلة" اليهودية، ونصّب هيركانوس الثاني كبيراً للكهنة، وحطم أسوار القدس، وبتر الأجزاء الأخرى من أيدي اليهود، وأبقى على استمرار الأسرة المكابية في ظل الرومان .وفي الفترة 47-40 ق.م دخلت "المستعمرة" تحت سيطرة حاكم أيدومية "انتى بيتر" وفي 40 ق.م هاجم الفرس فلسطين ونصبوا "أنتي جونوس" أخو هركانوس الثاني حاكماً وكبيراً للكهنة، استمر حكم "أنتي جونوس" ثلاث سنوات وكان هو آخر حكام الأسرة المكابية، وفي سنة 37 ق.م انتصر الرومان على الفرس. واستعادوا السيطرة على فلسطين ونصبوا "هيرودس" ابن أنتي بيتر حاكماً، ورغم أن "هيرودس" قد تهوّد وحاول استرضاء اليهود إلا أنه كان مبغوضاً من قبلهم، وكان هو بشكل عام طاغية ظالماً شديد الولاء للرومان. وقد قام بتجديد الهيكل فضاعف مساحته ورفع سطحه وجعله على جانب عظيم من الإتقان والهندسة .استمر حكم هيرودس حتى سنة 4 ق.م وعاصره من الأنبياء زكريا وابنه يحيى عليهما السلام، كما عاصرته مريم بنت عمران عليها السلام، وفي آخر أيامه ولد المسيح عليه السلام .ولد عيسى بن مريم حوالي 4 ق.م في بيت لحم، وتذكر الروايات أن مريم هربت بعيسى مع يوسف "النجار" إلى مصر خوفاً على ابنها من ظلم هيردوس وبطشه، ثم ما لبثوا أن عادوا بسرعة إلى مدينة الناصرة حيث عاش طفولته وشب على عوده هناك ولذلك عرف باسم "يسوع الناصري" وسمى أتباعه "النصارى" .وهناك في الأرض المباركة فلسطين قام عيسى عليه السلام بواجب الدعوة إلى الله وبذل جهوداً كبيرة في هداية بين إسرائيل، وبشرهم بقدوم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم {ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وعلى الرغم من المعجزات التي أجراها الله على يديه وما تضمنته رسالته من حق ونور إلا أن بني إسرائيل جحدوا وأنكروا وناصبوه العداء،ولم يؤمن به إلا عدد ضئيل .ويذكر التاريخ أنه لما جاء عيد الفصح من سنة 30 م ذهب المسيح إلى أورشليم (القدس) وزار الهيكل واستنكر وجود الصيارفة والباعة، وفي إنجيل متى (21/12 – 13) "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم مكتوب أن بيتي -هكذا النص- بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" .وقد حقد اليهود والوجهاء على المسيح، وفي إنجيل لوقا (19/47) "وكان يعلم كل يوم في الهيكل وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجود الشعب يطلبون أن يهلكوه"، وسارع مجلس اليهود الديني "السنهدرين" إلى الاجتماع وقرر القبض على المسيح وأصدر في الحال حكماً بإعدامه بتهمة التجديف والخروج عن الدين . ثم إنهم ساقوه إلى الوالي الروماني – في ذلك الوقت – بيلاطس البنطي الذي يحق له وحده تنفيذ الإعدام، ولم يجد هذا جرماً من المسيح يوجب قتله فقامت قيامة اليهود، وأخذوا يصرخون بصوت واحد، اصلبه، اصلبه "دمه علينا وعلى أولادنا". وقد اضطر كارهاً إلى الموافقة على إعدامه، غير أن الله سبحانه أدركه برحمته فرفعه إليه في الوقت الذي ظن فيه اليهود أنهم قتلوه {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . . بل رفعه الله إليه } .وطويت هذه الصفحة من تاريخ الصراع بين الحق والباطل على الأرض المقدسة، فقد كذب بنو إسرائيل بآخر بني أرسل إليهم واتهموه بالسحر وتآمروا عليه، وآمن بعيسى الحواريون وأخذوا ينشرون دعوته من بعده ويلاقون في سبيلها الاضطهاد والأذى. واستمر الحواريون في دعوة اليهود وكانوا يخطبون في الهيكل، ولما تضاعف عدد النصارى بعد بضع سنوات خاف اليهود من انتشار الدعوة وطلبوا القبض على بطرس وغيره لمحاكمتهم أمام "السهندرين" إلا أن المجلس اكتفى بجلدهم وأطلق سراحهم، وهرب المهتدون الجدد إلى السامرة وقيسارية وأنطاكية فأنشأوا الجماعات المسيحية، ووصل بطرس إلى روما حيث أنشأ جماعة مسيحية وكان يركز في دعوته على اليهود، أما بولس فكان يدعو الوثنيين كما يدعو اليهود واستخدم في دعوته المصطلحات والمفاهيم الفلسفية لتفسير المسيحية بما يتلاءم مع الثقافة الهلنستية السائدة آنذاك. وانتهى الأمر ببولس وبطرس بأن حكم عليهما بالإعدام في عهد الإمبراطور الروماني نيرون سنة 64 م. نهاية الوجود اليهودي في فلسطينونعود مرة أخرى لنرى أحوال بني إسرائيل في فلسطين بعد صعود المسيح، فقد كان الرومان قد بدأوا حكماً مباشراً على القدس وباقي فلسطين منذ 6 م، بعد أن خلعوا أرخيليوس الذي خلف أباه هيرودس لسوء حكمه، وفي عهد واليهم بيلاطس البنطي 26-36 م حدثت وقائع السيد المسيح عليه السلام. وقد ثار اليهود على حكم الرومان في نوفمبر 66م في عهد الإمبراطور نيرون واستطاع القائد العسكري الروماني تيتوس إخماد هذه الثورة في سبتمبر 70م – بعد أن استمرت أربع سنوات – فدخل القدس بعد حصار شديد وأعمل القتل والنهب والحرق، ودمر الهيكل الذي بناه هيرودس حتى لم يبق حجر على حجر وأصبحت مدينة القدس قاعاً صفصفاً، وبيع كثير من الأسرى عبيداً في أسواق الإمبراطورية الرومانية بأبخس الأثمان، وكانت أمنية اليهودي أن يشتريه من يرفق به فلا يرسله إلى حلقة المصارعة مع الوحوش التي اعتاد الرومان التلذذ بمنظرها وهي تلتهم الناس!! وبنى هذا القائد قوساً في روما بمناسبة نصره على اليهود وهو لا يزال قائماً إلى الآن وعليه نقوش ذكرى ذلك الانتصار، ويُرى فيه الشمعدان ذو الرؤوس السبعة المشهور عند اليهود والذي أخذه من الهيكل .ثار اليهود مرة أخرى على الرومان بقيادة باركوخبا واسمه الأصلي "سيمون" واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات 132-135م، واجتمع تحت لوائه عدد كبير من اليهود واستطاع احتلال القدس، غير أن الإمبراطور الروماني هدريان أرسل جيشاً كبيراً بقيادة جوليوس سيفروس الذي احتل القدس ثانية وهزم اليهود، الذين هربوا إلى بتّير حيث لا تزال خرائب القلعة التي تحصن فيها اليهود وهزموا وسماها العرب "خربة اليهود"، وقد نكل هدريان بالثائرين أشد تنكيل ودمر "أورشليم" وحرث موقعها الذي كانت قائمة عليه وقتل وسبى أعداداً كبيرة من اليهود، ثم منع اليهود من دخول القدس والسكن فيها بل والدنو منها، وسمح للمسيحيين بالإقامة فيها على ألا يكونوا من أصل يهودي. وأقام هدريان مدينة جديدة فوق خرائب "أورشليم" سماها إيليا كابيتولينا،حيث عرفت بعد ذلك بـ"إيلياء" وهو اسم هدريان الأول، وأقام هيكلاً وثنياً لجوبيتر على نفس مكان الهيكل القديم .واستمر حظر دخول القدس على اليهود حوالي 200 سنة تالية، وندر دخولهم إليها وأقامتهم فيها طوال القرون التالية حتى القرن التاسع عشر، وتشرد بنو إسرائيل في الأرض ولم يعد لهم في فلسطين سوى الذكريات التي أكثرها كفر وفسق وبغي وقتل للأنبياء، فكان جزاؤهم غضب الله عليهم ولعنته وحرمانهم من الأرض المقدسة وتقطيعهم في الأرض .- إن ملك بني إسرائيل لم يشمل في أي يوم من الأيام كل فلسطين المعروفة بحدودها الحالية، وإن المدة التي حكموا فيها بشكل مستقل تماماً هي مدة ضئيلة قياساً إلى تاريخ فلسطين وأنهم حتى عندما كانت لهم مملكتان كانوا في كثير من الأحيان خاضعين لنفوذ قوى أكبر منهم .